الأربعاء، 24 يونيو 2009

السينما واستدعاء النموذج 2



والآن إلى التساؤل الأهم في الدراسة :


*لماذا (أكبر )هو النموذج الذي تم استدعاؤه دون غيره من سلاطين المغول المسلمين في الهند ؟


علينا بالرجوع للتاريخ ؛للوقوف على سيرة هذا الرجل الذي استدعته السينما الهندية كنموذج للحاكم المسلم المحبوب من شعب الهند، والذي اختارت MBCعرضه وتقديمه للعرب ،


هو أبو الفتح جلال الدين محمد ثالث ، أباطرة الأسرة التيمورية بعد بابر، وهميانوشاه وُلد في (امركت) 949 هـ ، واعتلى العرش 963 هـ ، و تُوفي في( أكرا) 1014 هـ ، ولقب( أكبر) خلعه عليه أصهاره الهندوكيون .


وكان عصر هذا الرجل آخر عصور القوة الإسلامية في الشرق ، وإذا أردنا معرفة السبب فلنعرض لخصائصه وصفاته :


1 ـ كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب رغم ؛ أن والده (هميانوشاه ) أحضر له أعلى الأساتذة كعبًا في عصره ، ولكنهم فشلوا حتي في تعليمه مباديء القراءة والكتابة .


2 ـ كان ( أكبر) حاد المزاج عنيدًا لا ينتصح ولا يُعير لرأي أهمية ، ويعمل بما خطر في فكره وارتضاه هو .


3ـ بسبب أميته ؛ حاول تعويض ما لديه من نقص فجمع الكتب والمخطوطات ( حوت مكتبته 24 ألف مخطوط ) وكان يأمر؛ فتُقرأ عليه الكتب فيحفظ ما فيها بذاكرته الخارقة ، ولكن حفظ دون قدرة على الاستيعاب .


4 ـ سعى لتوحيد الهند تحت سلطانه فقابلته مشكلة الفرق الدينية ؛ سواء كديانات ،أو كمذاهب في الإسلام ؛ فسعى للقضاء على الاختلاف الديني ، والخلاف المذهبي في ديانة واحدة ، وكان تفكيره ممتزجًا بأميته ، وحدته ، وكثرة المعلومات في ذهنه،وكان في مسعاه هذا لا يهمه صحة أو خطأ الأفكار، و المعتقدات ؛ بل كان كل همه توحيدها .


5 ـ وكان من كثرة تفكيره ، وعدم قدرة عقله على استيعاب ، وهضم ما لديه من معلومات يُصاب بأزمات نفسية ؛ فيهيم على وجه في الصحراء ممتطيًا جواده .


6 ـ وبلغ به الهوس بفكرته المنحرفة الضالة ؛ أن جمع عددًا من الأطفال وعزلهم عن مجتمعاتهم ، ومعتقدات أههاليهم لعل الفطرة تهديهم إلى الدين الأصيل .(يظهر هذا عدم قناعته بالإسلام كدين فطرة ) ففوجيء أن هؤلاء الأطفال بسبب عزلتهم ؛ تحولوا إلى مجموعة من البكم لا تعي شيئًا .


* وفي خطوة لفتح باب النقاش بين أصحاب الملل والنحل بنى (أكبر) ما سماه (عبادة خانة) لتكون مقرا يجتمع فيه أصحاب الملل والنحل ؛ ليتجادلوا في أمور الدين ، وليدافع كل منهم عن معتقده ودعا إليها علماء مسلمين سنة وشيعة ، ودعا أيضا رجال الدين البراهمة والزرادشتيين ، وكذلك بعض المبشرين النصارى البرتغاليين .


( كان صاحب فكرة هذا المحفل ثلاثة: اثنان نصاري برتغاليين، وفارسي مرتد عن الإسلام وتحول إلى مبشر بالنصرانية في الهند )


ولم تسفر هذه المحافل إلا عن مزيد من اللجاجة والخصومة ، وكانت أرضا خصبة للمبشرين لإنهاء السلطنة الإسلامية في الهند وفتح الباب للاستعمار الذي سيأتي فيما بعد .


وحين يأس (أكبر ) من الوصول الفكري إلى مذهب موحد ؛ دعا هو إلى مذهب يضم ـ حسب رأيه ـ حسنات كل الملل والنحل ، وأطلق عليه ( المذهب الإلهي ) فبلغ بهذا ذروة جنونه وانحرافه ؛ فمذهبه الإلهي يقوم على عبادة رب واحد ، و(أكبر) ظله على الأرض وأمر أتباعه ألا يأكلوا اللحم ، ولا يشربوا الخمر، ولا يكذبوا ومنع الساتي ( عادة هندية تنتحر بموجبها الأرملة التي لا أولاد لها ) ، وأحل زواج الأرامل ، ومنع زواج الفتيات الصغيرات ، ومنعه كذلك عند وجود تفاوت كبير في السن ، ومنع الزواج بين الأقارب ؛مما اثار حفيظة المسلمين بشكل خاص ؛ حيث إن العقيدة الإسلامية تقوم على أن القرآن والسنة هما مصادر التشريع ولا يستطيع (أكبر ) ولا غيره تغييرها ، فاستغل الهندوك والمبشرون البرتغاليون هذه الخصومة وتقربوا منه ، وسيطروا عليه وبهروه بعلومهم العصرية ؛ فاختار أحد الآباء الجزويت لتعليم ابنه سليم ( لاحظ أن سليما هذا هو ولي العهد وتأمل تخطيط النصارى ) ؛ فاستطاعوا تفريغ سليما هذا من كل عقيدة وإيمان بدينه ومجتمعه، بل ووصل الأمر إلى تفريغه من احترامه لوالده ؛ فثار عليه ثورة كادت تدمر الإمبراطورية ، واستعان بأسياده البرتغال على والده ، ولكن (أكبر) تغلب على هذه الثورة وتدارك الأمور .


وكان الآباء الجزويت يطمعون ويسعون ـ لما رأوه من الخواء العقدي ـ إلى اعتناق ( أكبر) للمسيحية . وصرحوا في مذكراتهم : أن لو فعلها (أكبر) لكان دوره مماثلا لدور ( (قسطنطين الأول) حين اعترف بالمسيحية فانتشرت في الدولة الرومانية .


وللأمانة التاريخية نقول أن (أكبر) في أواخر حياته وقف على أخطائه ، وعاد لحظيرة الإسلام ، وهدم (عبادة خانة ) ، ولكنه كان قد فوت على المسلمين فرصة عظيمة في فرض قوتهم ؛ فأضاع الأمة الإسلامية في الهند ، وفتح ثغرة أمام تدخل المسيحيين البرتغاليين ظلت تتسع حتى أسقطت الهند الإسلامية بأجمعها في قبضة المستعمر، وهذا نتاج حكم أشخاص غير مؤهلين ـ إلا أنهم ورثوا الحكم ـ تحكمهم رغباتهم المنحرفة ، وعواطفهم غير السوية ، ولا دين لديهم ولا علم .


هذا هو النموذج الذي استدعته السينما الهندية من سلاطين المغول المسلمين في الهند والذي قدمته MBC .


وهذا ليس عنها بغريب ؛ فهي تتخذ موقفا ممالئا للغرب معاديا للمشروع الإسلامي ،سواء أكانت مرجعيته سنية (حماس ) ، أم شيعية (حزب الله وإيران )؛ فجعلت من قنواتها سبيلا تتدفق منه القيم الغربية الفاسدة عقديا واجتماعيا وأخلاقيا ولم يسلم من ذلك الاستهداف حتى الأطفال .


وامتد العداء للناحية الإخبارية وظهر ذلك واضحا في تناول قناة العربية لحربي (جنوب لبنان وغزة ) .

هناك 7 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. التعليق ده محجوز لدعاء بعد اذنك

    ردحذف
  3. استاذ ادهم موضوع ممتاز وتناول رائع حقيقة
    فعلا اضفت لى اخى الكثير من خلال موضوعك واوضحت لى الكثير شكرا لك مرة اخرى

    ردحذف
  4. الموضوع جميل ومثير لتساؤلات كثيرة وقضايا كبيرة في حياتنا وفي تاريخنا..أنا عارفة انك اختصرته كتير و إلا كان هينزل في سلسلة متواصلة.

    بارك الله فيك يا أستاذي.

    ردحذف
  5. ما شاء الله الموضوع جميل ولو سمح وقتك أن تقرأ موضوعى http://mona-myownroom.blogspot.com/2009/06/blog-post_24.html
    فأنا حقا لا أعرف متى يمكن أن يكون للصناعة السينما العربية مكانة فى هذا العالم !!

    ردحذف
  6. استاذ أدهم الدراسة رائعة ومفيدة جداًوأهم ما فيها انها تتناول شخصية من التاريخ الاسلامى .
    أشكرك أخى وفى انتظار المزيد ان شاء الله.

    ردحذف
  7. farhtomre
    أشكر لك مرورك الكريم وتعليقك الطيب ونرجو أن نكون دائمًا عند حسن الظن ودوام الانطباع الأول

    ردحذف