الخميس، 18 يونيو 2009

السينما واستدعاء النموذج 1


أعود بهذا الموضوع لمدونتي الوليدة التي كنت لها أبًا مقصرًا ولكن معذرة إنها الحياة بشواغلها واحباطاتها فكل ما يحيط بنا يثير الاحباط ويُفقد الرغبة حتي في الإمساك بالقلم مع اكتمال الفكرة ولكنه التكاسل .

ثم ثرت على هذه الحالة وأمسكت بالقلم وكتبت .
وكانت ولادة الفكرة مع مشاهدتي لإعلان عن فيلم هندي ستعرضه قناةMBC1 مدبلجا بالعربية الفصحى اسم الفيلم (جودة أكبر ) ولأني أعرف (أكبر ) واسمه جلال الدين محمد أكبر الذي يتناول الفيلم جزءًا من سيرته وأعرف أن جودة هي زوجته الهندوكية فقد ترقبت الفيلم لأرى كيفية التناول وكيفية تقديم النموذج الذي ستقدمه السينما الهندية لقائد مسلم من قواد السلطنة المغولية المسلمة في الهند أحبه الهندوك ورضوا عنه ليصنعوا عن حياته فيلما بهذه الضخامة وهؤلاء الممثلين المشاهير ولأنني من المؤمنين بنظرية المؤامرة ولعلاقة الشك والريبة بيني وبين قنوات الوليد بن طلال كلها فقد ترقبت الفيلم بهذه العين المتوجسة وحاولت قبل مشاهدة الفيلم تجريد نفسي من هذه السيطرة لأكون موضوعيا ولكن لم أستطع ,فهل أستطيع التجرد من عقيدتي التي هي المعيار والمرجعية وقفزت إلى ذهني الآية الكريمة ﴿ لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ﴾ ولا أريد فرض استنتاجات قبل عرض المقدمات ولا إصدار أحكام مسبقة قبل عرض الحيثيات .
وحضرني وأنا انتظر عرض الفيلم الهندي فيلم الناصر صلاح الدين وما نال الرجل فيه من تشويه والتاريخ من تزييف لاحظ أن المنتجة (مسيحية )وكذلك المخرج ( يوسف شاهين ) ويكفي أن يمر من خلال الفيلم رسالتان او ثلاث أو حتى فكرة واحدة تكون مصدرا لمعلومات أجيال بكاملها عن بطل مسلم مثل صلاح الدين وتشكل صورته في وجدانهم بخاصة مع هجرتنا لتاريخنا وانتظار الغير ليقدمه لنا وفقًا لهواه وخدمة أهدافه فمررلنا الفيلم لقاء صلاح الدين وريتشارد مع أن هذا اللقاء تاريخيا لم يحدث قط ومررلنا كذلك تسمية صلاح الدين للقدس (بأورشاليم ) مع أنه لم ينطقها بلسانه مدة حياته ولو لم يكن في الفيلم غير هاتين لكفتاه .
وبدأ فيلم (جودة أكبر )بنموذجه الذي استدعاه من تاريخ الإسلام في الهند والفيلم مليء بعناصر الإبهار بدءًا من المناظر الطبيعية الخلابة والمباني التاريخية المبهرة وموسيقي مؤثرة وأصوات عذبة لا يهمك معها إن كنت تعرف بما تتغني وألون جذابة ورقصات جماعية تثير الاعجاب واختيار للمثلين وسامة البطل وجمال البطلة مما يسهل السيطرة على وعي المشاهد والتسلل بالرسائل الخفية للفيلم.

وبدءًا باسم الفيلم الذي كشف تحيز صانعيه الهندوك فجودة هي زوجة جلال الدين محمد وأن يحمل الفيلم اسمها فهذا قمة التحيز وكشف مبكر عن النوايا الخبيثة وكذلك اظهار مدى ثقافتها واطلاعها وقوة شخصيتها واعتداده بنفسها مقابل أمية زوجها (المسلم ) وتذلله لها لينال رضاها بعد ذهابها مغاضبة وأن أظهر الفيلم عقيدتها الهندوكية بسرعة ودون تركيز من باب شغل المشاهد المسلم حتى لا يقع فريسة للتحيز العقدي ضدها فيفقدها حب الجمهور وبالتالي يرفض الرسائل وكذلك اظهاره لشخصية رجل الدين المسلم والذي يمثل المرجعية الدينية للسلطنة في صورة رجل عجوز (مقابل شباب السلطان ) ( السياسة مقابل الدين ) ونظرته الشريرة وتهافت حجته مقابل قوة منطق السلطان وعمته (جلبدان ) التي كانت واسعة الاطلاع سديدة الرأي غيورة على الدين والسلطنة أظهرها الفيلم بمظر العجوز الحاقدة المتآمرة على الزوجة
شخصية زوج أخته (أمير وقائد من قواد الجيش) جاءوا بممثل ذي ملامح قاسية شريرة وجسد ضخم جدا وصوت مرتفع يعتمد القوة وحدها ويحب سفك الدماء والدس وحبك المؤامرات مقابل شخصية البطل (أكبر ) المحب للسلام .

كل هذا الاضعاف والتشويه للشخصيات المحيطة لابراز البطل( النموذج) والابقاء على اعجاب وحب الجماهير له مستمرًا ليس أثناء المشاهدة فحسب بل يمتد بعدها ,ولم يكتف الفيلم بتشويه شخصيات تاريخية بل تعدى ذلك لتحريف المصطلح والتلاعب به فنجد البطل ( النموذج ) يُسقط ماسماه الفيلم ( ضريبة الحج ) عن غير المسلمين التي هي في مصطلحها الإسلامي ( الجزية ) وتسميتها بالضريبة جاء لهدفين :

الأول: تفريغها من مفهومها العقدي الشرعي .
الثاني : وصفها بهذه الصفة التي ترتبط بالظلم فيكرهها الجمهور لما تحمله من صورة ذهنية سابقة مرتبطة بمسمى ( ضريبة ).
كذلك لم يظهر سلطان المسلمين يصلي ركعة واحدة طوال ساعات الفيلم التي قاربت الثلاث ساعات والتي تتناول عشرات السنين من حياة البطل ( النموذج ) ,لم يأت على لسان سلطان المسلمين استشهاد واحد ـ ولو بالمعنى ـ بقرآن أو سنة .
إظهار الفيلم للبطل النموذج بمظهر المفكر الباحث عن السلام ووحدة الهند بمختلف أطيافها العرقية والاثنية العقدية وإن لم يتطرق بالتفصيل لأخطر ما في حياة جلال الدين أكبر وهي رغبته في توحيد الأديان (التي سنعرضها بعد قليل في التعريف به) حتى لا يحدث صدام مع عقيدة الجمهور فينهار النموذج.
وجاءت اللمحة الأكثر دهاءً من قناة MBC بدبلجة الفيلم باللغة العربية الفصحى وبأصوات رخيمة معبرة لتسقط حاجز اللغة فيندمج المتلقي مع المؤدي وايجاد حالة من التواصل التام لا تقطعها قراءة الترجمة المكتوبة ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى جاء ت الدبلجة بلغة فصحي (وليست العامية ) لأن القناة تعرض في العالم العربي ، وبذلك تهرب من الوقوع أثيرة للهجة دون أخرى من لهجات الوطن العربي فاختارت اللغة المعيارية وهي الفصحى ، وكذلك لاضفاء هالة من الأهمية وشبه الوثائقية المستمدة من رسمية ومكانة اللغة الفصحى واختلاف تقدير المتلقي لفيلم ناطق بها عنه لفيلم ناطق بالعامية أيا كانت لهجتها .
هذا هو الجزء الأول من الدراسة وإلى اللقاء في الجزء الثاني ( الخلفية التاريخية لجلال الدين محمد أكبر )

هناك 16 تعليقًا:

  1. رائع أخي

    حقا إنها نظرية المؤامرة

    ردحذف
  2. مع انى قريتها على الورق بتاعك بس فى المدونة ليها طعم تانى .
    بالتوفيق دائما:)*

    ردحذف
  3. Ahmed Talk
    أشكر لك مرورك الكريم الذي شرُفت به مدونتي المتواضعة

    ردحذف
  4. إممممممم

    اكيد ده شىء متوقع جدا

    اتمنى انى اشوف الفيلم فعلا
    هحاول اشوفه علشان اعرف اقيمه كويس

    ردحذف
  5. د/عرفه
    أخي الكريم أشكر لك مرورك الكريم وطبعا لكي تصدر حكما عادلا وتقييم تقييما موضوعيا عليك بمشاهدة الفيلم وأظن أني ذكرت في صدر الموضوع أني لا أفرض حكمي ولا أصدر حكما ملزما إنما هو فهمي الشخصي وفي بقية الموضوع تتمة وإيضاح

    ردحذف
  6. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    إذا كان المنتجين المحسوبين على العرب والمسلمين
    يسيئون الى الاسلام والعرب فى افلامهم فكيف بالاخرين!
    بس تصدق وتؤمن بالله انت خلتنى(اتغر شووووية)فى نفسى
    اقولك ليه :لانى ما حبيت فيلم: صلاح الدين كرمز للبطل المسلم (لانه كفاية من اعمال يوسف شاهين!)
    لكن حبيته: كديكور -اداء:شوية!-ملابس :كتير
    لكن كنوع من التمجيد او الاشادة بالاسلام
    فأبداًلم يحدث هذا.

    ردحذف
  7. مبروك على المدونة ولو انه متأخر شويه.
    وربنا يوفقك
    وكان نفسى اشوف الفيلم.
    بس حلو اسلوبك فى النقد

    ردحذف
  8. مبروك مرة تانية
    سلامى لأحمد ونور
    هبه محمود

    ردحذف
  9. norahaty
    السلام عليكم أشكر لك مرورك الكريم وكذلك فطرتك السليمة التي لم تنبهر بشكل الفيلم وتنخدع بقبول مضمون مشوه

    ردحذف
  10. farhtomre
    السلام عليكم شرفتم مدونتا المتواضعة بمروركمالكريم وبارك الله فيك وسلامي للجميع حنين وهمس وفرح ونريد أن يسعد عالم التدوين بانضمامك إليه

    ردحذف
  11. ترفت علي مدوننتك من الصديقة دعاء صاحبة مدونة
    day to day life
    فوجدت دراسة قيمة جزاك الله خيرا و في انتظار معرفة المعلومات الحقيقية عن هذا القائد المسلم

    ردحذف
  12. أم أحمد المصرية
    أشكر لك مرورك الكريم وأشكر دعاء لإعلانها عن الموضوع وبقية الموضع سيتم طرحها بالمدونة قريبا إن شاء الله

    ردحذف
  13. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اخ ادهم عود احمد لمدونتك الطيبة
    وجهة نظر سليمة جدا اخى
    ننتظر الجزء الثانى لتكتمل لدينا الصورة
    شكرا لك وسلامنا لمدام دعاء واحمد ونور

    ردحذف
  14. صدقني لم اري تناول درامي واحد نجح ان يجسد اي شخصيه تاريخيه بصدق وامانه

    ياحاقد ومندس يدس السم في العسل
    ياجاهل ينشد الكسب والمجد علي حساب التاريخ

    يامحب جهول يمجد من لا مجد له اصلا


    صياغة التاريخ في عمل درامي امانه لايعلم اصولها القائمين عليها

    والخطوره تكمن ان الاميه مرتفع والبسطاء يلتسق في عقلهم هذا التاريخ المغلوط

    الدراسه جميله جدا تسلم ايدك
    وتسلم دعاء من دلتنا علي هذه الدراسه الجميله

    ردحذف
  15. الكي بورد سمحها الله جعلت الصاد سين في يلتصق
    ونسيت الهاء في مرتفعه

    شكرا

    ردحذف
  16. شمس النهار
    أشكر لك تعليقك الجميل وتصنيفك الفاهم للدراما التاريخية وإشارتك لنقطة الأمية وأزيدها دقة وتحيدا الأمية التاريخية فللأسف نحن أمة لا تقرأتاريخها وإن قرأناه لا نعيه وحتى نقرأبوعي سيبقى هذا حالنا

    ردحذف