والآن إلى التساؤل الأهم في الدراسة :
*لماذا (أكبر )هو النموذج الذي تم استدعاؤه دون غيره من سلاطين المغول المسلمين في الهند ؟
علينا بالرجوع للتاريخ ؛للوقوف على سيرة هذا الرجل الذي استدعته السينما الهندية كنموذج للحاكم المسلم المحبوب من شعب الهند، والذي اختارت MBCعرضه وتقديمه للعرب ،
هو أبو الفتح جلال الدين محمد ثالث ، أباطرة الأسرة التيمورية بعد بابر، وهميانوشاه وُلد في (امركت) 949 هـ ، واعتلى العرش 963 هـ ، و تُوفي في( أكرا) 1014 هـ ، ولقب( أكبر) خلعه عليه أصهاره الهندوكيون .
وكان عصر هذا الرجل آخر عصور القوة الإسلامية في الشرق ، وإذا أردنا معرفة السبب فلنعرض لخصائصه وصفاته :
1 ـ كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب رغم ؛ أن والده (هميانوشاه ) أحضر له أعلى الأساتذة كعبًا في عصره ، ولكنهم فشلوا حتي في تعليمه مباديء القراءة والكتابة .
2 ـ كان ( أكبر) حاد المزاج عنيدًا لا ينتصح ولا يُعير لرأي أهمية ، ويعمل بما خطر في فكره وارتضاه هو .
3ـ بسبب أميته ؛ حاول تعويض ما لديه من نقص فجمع الكتب والمخطوطات ( حوت مكتبته 24 ألف مخطوط ) وكان يأمر؛ فتُقرأ عليه الكتب فيحفظ ما فيها بذاكرته الخارقة ، ولكن حفظ دون قدرة على الاستيعاب .
4 ـ سعى لتوحيد الهند تحت سلطانه فقابلته مشكلة الفرق الدينية ؛ سواء كديانات ،أو كمذاهب في الإسلام ؛ فسعى للقضاء على الاختلاف الديني ، والخلاف المذهبي في ديانة واحدة ، وكان تفكيره ممتزجًا بأميته ، وحدته ، وكثرة المعلومات في ذهنه،وكان في مسعاه هذا لا يهمه صحة أو خطأ الأفكار، و المعتقدات ؛ بل كان كل همه توحيدها .
5 ـ وكان من كثرة تفكيره ، وعدم قدرة عقله على استيعاب ، وهضم ما لديه من معلومات يُصاب بأزمات نفسية ؛ فيهيم على وجه في الصحراء ممتطيًا جواده .
6 ـ وبلغ به الهوس بفكرته المنحرفة الضالة ؛ أن جمع عددًا من الأطفال وعزلهم عن مجتمعاتهم ، ومعتقدات أههاليهم لعل الفطرة تهديهم إلى الدين الأصيل .(يظهر هذا عدم قناعته بالإسلام كدين فطرة ) ففوجيء أن هؤلاء الأطفال بسبب عزلتهم ؛ تحولوا إلى مجموعة من البكم لا تعي شيئًا .
* وفي خطوة لفتح باب النقاش بين أصحاب الملل والنحل بنى (أكبر) ما سماه (عبادة خانة) لتكون مقرا يجتمع فيه أصحاب الملل والنحل ؛ ليتجادلوا في أمور الدين ، وليدافع كل منهم عن معتقده ودعا إليها علماء مسلمين سنة وشيعة ، ودعا أيضا رجال الدين البراهمة والزرادشتيين ، وكذلك بعض المبشرين النصارى البرتغاليين .
( كان صاحب فكرة هذا المحفل ثلاثة: اثنان نصاري برتغاليين، وفارسي مرتد عن الإسلام وتحول إلى مبشر بالنصرانية في الهند )
ولم تسفر هذه المحافل إلا عن مزيد من اللجاجة والخصومة ، وكانت أرضا خصبة للمبشرين لإنهاء السلطنة الإسلامية في الهند وفتح الباب للاستعمار الذي سيأتي فيما بعد .
وحين يأس (أكبر ) من الوصول الفكري إلى مذهب موحد ؛ دعا هو إلى مذهب يضم ـ حسب رأيه ـ حسنات كل الملل والنحل ، وأطلق عليه ( المذهب الإلهي ) فبلغ بهذا ذروة جنونه وانحرافه ؛ فمذهبه الإلهي يقوم على عبادة رب واحد ، و(أكبر) ظله على الأرض وأمر أتباعه ألا يأكلوا اللحم ، ولا يشربوا الخمر، ولا يكذبوا ومنع الساتي ( عادة هندية تنتحر بموجبها الأرملة التي لا أولاد لها ) ، وأحل زواج الأرامل ، ومنع زواج الفتيات الصغيرات ، ومنعه كذلك عند وجود تفاوت كبير في السن ، ومنع الزواج بين الأقارب ؛مما اثار حفيظة المسلمين بشكل خاص ؛ حيث إن العقيدة الإسلامية تقوم على أن القرآن والسنة هما مصادر التشريع ولا يستطيع (أكبر ) ولا غيره تغييرها ، فاستغل الهندوك والمبشرون البرتغاليون هذه الخصومة وتقربوا منه ، وسيطروا عليه وبهروه بعلومهم العصرية ؛ فاختار أحد الآباء الجزويت لتعليم ابنه سليم ( لاحظ أن سليما هذا هو ولي العهد وتأمل تخطيط النصارى ) ؛ فاستطاعوا تفريغ سليما هذا من كل عقيدة وإيمان بدينه ومجتمعه، بل ووصل الأمر إلى تفريغه من احترامه لوالده ؛ فثار عليه ثورة كادت تدمر الإمبراطورية ، واستعان بأسياده البرتغال على والده ، ولكن (أكبر) تغلب على هذه الثورة وتدارك الأمور .
وكان الآباء الجزويت يطمعون ويسعون ـ لما رأوه من الخواء العقدي ـ إلى اعتناق ( أكبر) للمسيحية . وصرحوا في مذكراتهم : أن لو فعلها (أكبر) لكان دوره مماثلا لدور ( (قسطنطين الأول) حين اعترف بالمسيحية فانتشرت في الدولة الرومانية .
وللأمانة التاريخية نقول أن (أكبر) في أواخر حياته وقف على أخطائه ، وعاد لحظيرة الإسلام ، وهدم (عبادة خانة ) ، ولكنه كان قد فوت على المسلمين فرصة عظيمة في فرض قوتهم ؛ فأضاع الأمة الإسلامية في الهند ، وفتح ثغرة أمام تدخل المسيحيين البرتغاليين ظلت تتسع حتى أسقطت الهند الإسلامية بأجمعها في قبضة المستعمر، وهذا نتاج حكم أشخاص غير مؤهلين ـ إلا أنهم ورثوا الحكم ـ تحكمهم رغباتهم المنحرفة ، وعواطفهم غير السوية ، ولا دين لديهم ولا علم .
هذا هو النموذج الذي استدعته السينما الهندية من سلاطين المغول المسلمين في الهند والذي قدمته MBC .
وهذا ليس عنها بغريب ؛ فهي تتخذ موقفا ممالئا للغرب معاديا للمشروع الإسلامي ،سواء أكانت مرجعيته سنية (حماس ) ، أم شيعية (حزب الله وإيران )؛ فجعلت من قنواتها سبيلا تتدفق منه القيم الغربية الفاسدة عقديا واجتماعيا وأخلاقيا ولم يسلم من ذلك الاستهداف حتى الأطفال .
وامتد العداء للناحية الإخبارية وظهر ذلك واضحا في تناول قناة العربية لحربي (جنوب لبنان وغزة ) .