السبت، 25 أبريل 2009

عتاب رقيق

بسم الله الرحمن الرحيم
أبي الحبيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أدعو الله أن يبارك عمرك ويجعل خير أعمالك خواتيمها
أما بعد ،
فإني أقبل يديك وقدميك وأحمد الله على نعمة أبوتك لي ولكن...........
أبي لي عتاب رقيق إن جاز للابن أن يُعاتب أباه وألا يكون ذلك من العقوق
أبتِ إني كلما تقدم بي العمر ساءلت نفسي لما علمتني أن الأمور إما بيضاء كفلق الصبح وإما سوداء كليل داهم لمَ لمْ تعلمني أن هناك منطقة رمادية متسعة متدرجة بين النقيضين يستطيع المرء أن يختبأ فيها ويتواري ويوارب ويعمّي على الآخرين .
أبي إني عاتب عليك لأنك حين عرفتني بالصحابة الكرام بدأت بعمر وحزمه وأبي ذرٍ وثورته ولم تبدأ بدهاء معاوية
عاتب عليك لأنك حين عرفتني بالعلماء بدأت بابن حنبل والعزبن عبد السلام ولمْ تخبرني أنه سيكون هناك أشباه رجال يُوصفون بالعلماء أولئك الذين يلوون أعناق النصوص لتوافق هوى السلطان ويصدرون الفتاوى حسب رغبة الحكام لا حسب الشرع .
عاتب عليك لأنك حين عرفتني بالشعراء لم تعرفني إلا بالثوار منهم حتى حين عرفتني بنزار قباني عرفتي بقصائده السياسية الثورية وكأنه لم يكتب غيرها ،
وحين عرفتني بالشاعر هاشم الرفاعي لم أنتبه لشطر بيت يقول فيه
(وما ضرني أن أُرى وسط الجموع أسيرفي إذعان ) لم أنتبه له من فرط انفعالي بكلماته الثورية لم أنتبه له إلا بعدما أصابني دبيب يأس.
أبي لمَ لمْ تحك لي إلا قصص البطولة وتركت قصص الغرام والهيام وقصص الغول والعنقاء والحاكم العادل .
أبي لمَ أخبرتني بأن فلسطين كان بها في الماضي قوم جبارين خافهم اليهود فتاهوا أربعين سنة وبأنهم في حاضرهم قوم أباة لا تلين لهم قناة ولا يضرهم من خالفهم لمَ لمْ تخبرني أنه سيولد فيهم دحلان وعباس .
أبي لمَ علمتني أن للحقيقة وجه واحد فقد رأيت لها في هذا الزمن عدة أوجه .
أبي لمَ لمْ تخبرني أن الكلمات لها معان ٍ عدة وأن معنى الكلمة لا يتغير حسب السياق اللغوي فقط وإنما بتغير العصور والحكام فالبطولة صارت تهورًا وطيشًا والمقاومة صارت مغامرة وفي سياقات أخرى إرهابًا
والانبطاح والخذلان صارا اعتدالاً .
لم أخبرتني أن التاريخ لا يعيد نفسه وأن مشركي مكة لن يحاصروا المؤمنين في الشعب مرة أخري لأنه لم يعد هناك شعب ولم يعد هناك مشركون في مكة .
أبي لا تأخذ بكلامي هذا واعتبره هذيان في لحظة حمى فأنا على ما ربيتني وعلمتني باق وبه ملتزم . وسلام عليك أبي

هناك 6 تعليقات:

  1. مبروك لدخولك لعالم التدوين
    مش عارف عندى احساس انا احنا ممكن نتفق فى الراى كتير

    بالنسبة للموضوع انا معاك فى عتابك جدا
    بالفعل فى امور بيكون فيها منطقة رمادية كبيرة

    فقط الامور اللى هيا اما ابيض او اسود هى امور العقيدة واوامر الدين
    بخلاف ذلك من الممكن الاخذ والعطاء

    ردحذف
  2. بسم الله ما شاء الله
    لغتك استاذ ادهم ممتازة جدا
    وياليت كل الاباء كانو مثل والدك مكناش شفنا المهازل اللى بيعملها البشر كنا هنلاقى دنيا ارقى من كده بكثير
    اشكرك على حسن البداية لمدونتك

    ردحذف
  3. لا اري تلك الأمثلة تمثل اللون الرمادي ولكنها تمثل اللون

    بالتوفيق دوما

    ردحذف
  4. مالك الحزين

    موضوع رائع بجد يستحق القراءة والتعليق

    فعلا عرفنا الكثير الكثير في مناهجنا وعبر آبائنا ولكنهم تركونوا لنصطدم إما بأشياء علمناعكسها والعكس هو الصحيح وذلك متمثلا في مناهجنا و إما أشياء من وجهة نظر الأهل الحاضر أثبت فشلها مثل الأنظمةالسياسية ......جزاك الله كل خير على هذا العتاب الرقيق

    ردحذف
  5. مالك الحزين فخور بقراءة مدونتك

    ردحذف
  6. مالك الحزين فخور بقراءة مدونتك فحينما قرأتها استنشقت فيها رائحة الماضى الجميل وأرجو الا تستسلم لمسحات الحاضر المؤلم ولو أننى أعرف والدك لقبلته قبلات وقبلات وانحنيت له شكرا لأنه كان سببا فى إخراج شخصية بهذه الروعة مثلك .إلى الامام دائما .

    ردحذف