بسم الله الرحمن الرحيم
أبي الحبيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أدعو الله أن يبارك عمرك ويجعل خير أعمالك خواتيمها
أما بعد ،
فإني أقبل يديك وقدميك وأحمد الله على نعمة أبوتك لي ولكن...........
أبي لي عتاب رقيق إن جاز للابن أن يُعاتب أباه وألا يكون ذلك من العقوق
أبتِ إني كلما تقدم بي العمر ساءلت نفسي لما علمتني أن الأمور إما بيضاء كفلق الصبح وإما سوداء كليل داهم لمَ لمْ تعلمني أن هناك منطقة رمادية متسعة متدرجة بين النقيضين يستطيع المرء أن يختبأ فيها ويتواري ويوارب ويعمّي على الآخرين .
أبي إني عاتب عليك لأنك حين عرفتني بالصحابة الكرام بدأت بعمر وحزمه وأبي ذرٍ وثورته ولم تبدأ بدهاء معاوية
عاتب عليك لأنك حين عرفتني بالعلماء بدأت بابن حنبل والعزبن عبد السلام ولمْ تخبرني أنه سيكون هناك أشباه رجال يُوصفون بالعلماء أولئك الذين يلوون أعناق النصوص لتوافق هوى السلطان ويصدرون الفتاوى حسب رغبة الحكام لا حسب الشرع .
عاتب عليك لأنك حين عرفتني بالشعراء لم تعرفني إلا بالثوار منهم حتى حين عرفتني بنزار قباني عرفتي بقصائده السياسية الثورية وكأنه لم يكتب غيرها ،
وحين عرفتني بالشاعر هاشم الرفاعي لم أنتبه لشطر بيت يقول فيه
(وما ضرني أن أُرى وسط الجموع أسيرفي إذعان ) لم أنتبه له من فرط انفعالي بكلماته الثورية لم أنتبه له إلا بعدما أصابني دبيب يأس.
أبي لمَ لمْ تحك لي إلا قصص البطولة وتركت قصص الغرام والهيام وقصص الغول والعنقاء والحاكم العادل .
أبي لمَ أخبرتني بأن فلسطين كان بها في الماضي قوم جبارين خافهم اليهود فتاهوا أربعين سنة وبأنهم في حاضرهم قوم أباة لا تلين لهم قناة ولا يضرهم من خالفهم لمَ لمْ تخبرني أنه سيولد فيهم دحلان وعباس .
أبي لمَ علمتني أن للحقيقة وجه واحد فقد رأيت لها في هذا الزمن عدة أوجه .
أبي لمَ لمْ تخبرني أن الكلمات لها معان ٍ عدة وأن معنى الكلمة لا يتغير حسب السياق اللغوي فقط وإنما بتغير العصور والحكام فالبطولة صارت تهورًا وطيشًا والمقاومة صارت مغامرة وفي سياقات أخرى إرهابًا
والانبطاح والخذلان صارا اعتدالاً .
لم أخبرتني أن التاريخ لا يعيد نفسه وأن مشركي مكة لن يحاصروا المؤمنين في الشعب مرة أخري لأنه لم يعد هناك شعب ولم يعد هناك مشركون في مكة .
أبي لا تأخذ بكلامي هذا واعتبره هذيان في لحظة حمى فأنا على ما ربيتني وعلمتني باق وبه ملتزم . وسلام عليك أبي